طبيب مصري ترعرع في "أرض الفيروز"، أثبت أنه لا عائق أمام تفوق الإنسان ونجاحه، وانطلق من قرية أبو طويلة جنوب الشيخ زويد، إلى جمهورية الصين الشعبية من أجل دراسة الطب، ليتفوق في دراسته ويبرع بين أقرانه، كي يخطو أولى خطوات الألف ميل في حياته العملية، ويحقق وصية سيدنا محمد، صلى الله عليه سلم: "اطلبوا العلم ولو في الصين".
محمد حلمي سليم أبو رياش، المولود في يناير 1995، حصد بكالوريوس الطب البشري لجراحة المخ والأعصاب بجامعة الصين، وحصد لقب الطالب العربي المثالي بالجامعة مرتين، واختارته جامعة الصين لحضور ندوات دولية، وألقى كلمة طلاب الجامعة في المنتدى الطبي الدولي، تحت رعاية دولة الصين الشعبية.
شارك في مسابقة أفضل طالب أجنبي في الصين، وألقى فيها محاضرة قصيرة عن أحد أنواع العمليات الجراحية في القلب، وحصل على منحة الحكومة الصينية للطلاب الأجانب المتفوقين لعام 2017م، اختير لحضور عدة مؤتمرات دولية ومحلية على مستوى الصين في مجال المخ والأعصاب، للتعرف على أحدث ما توصلوا إليه في هذا التخصص الدقيق.
يقول الطبيب العشريني، لـ"الوطن": "بدأ شغفي أن أصبح طبيبا منذ الصغر، في حلم داعب عقول معظم الأطفال ممن هم في مثل عمري، وكنت اسمع أن أعقد وأصعب تخصصاته هي جراحة المخ والأعصاب، فأصبحت محل اهتمام شديد لدي، حتى صارت طموحا لي، مذ كان عمري 14 عاما".
أدرك أنه لا سبيل لهذا الهدف سوى بالتعلم بجد واجتهاد، ولكن سوء الأحداث والظروف التي مرّت بسيناء أثناء ثورة يناير 2011، أثرت سلبا على الوضع العام بالمدينة وعليه، ولم يوفق في امتحانات الثانوية العامة لعام 2012، وحصل على مجموع 96.4% فقط، وهنا بات السبيل إلى دخول كلية الطب عبر المستشفيات الحكومية مستحيلا، ولكنه شغفه بدراسة الطب لم يخفت، وقرر أن يلتحق بإحدى الجامعات الخاصة لدراسة "الطب" كي يحقق حلم عمره، وقبل إنهاء إجراءات الالتحاق بجامعة خاصة، اقترح أحد أصدقاء والده أن يلتحق بجمهورية الصين الشعبية لدراسة الطب هناك، كما فعل مع نجله، يصف أبو رياش: "في البداية كان الموضوع مجرد فكره عابرة، حتى أبى القدر أن يلتحق بكلية الطب البشري في أحد الجامعات الخاصة، بسبب استكمال عدد الطلاب للعام الدراسي الجديد، لم يتملكني اليأس والتحقت بإحدى كليات الطب البشري في الصين".
"درست الابتدائية بمدرسة الشهيد سالم أبو طويلة المشتركة، ثم الإعدادية بمدرسة أبو طويلة الإعدادية، ثم الثانوية العامة في مدرسة أحمد أبو سلمة الثانوية العسكرية بالشيخ زويد، وكنت من أوائل المدرسة في جميع المراحل التعليمية، وكانت والدتي تقولي لي دايما (العلم يبني بيوتاً لا عماد لها، والجهل يهدم بيوت العز والكرمِ)، ولا أنسى فضل أساتذتي علي في جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعي"، يصف أبو رياش مسيرته التعليمية قبل الانتقال للصين.
وعن رحلته في الصين يقول ابن "أرض الفيروز": "جئت إلى الصين ولم يتجاوز عمري السابعة عشر عاما، كانت الحياة صعبة جدا، فلا اللغة ولا طبيعة الحياة ولا الطعام ولا درجات الحرارة المتقلبة كثيرا تشبه أي شئ مما اعتدته، إلا أن الشعب الصيني يتميز بالطيبة وحب مساعدة الغير وترحيبه بالأجانب، كما أنه شعب يفتخر بحضارته وتاريخه الذي يمتد لآلاف السنين، لم يكن الأمر سهلا في البداية، فأمامي مشكلة التأقلم على هذه البيئة الجديدة إلى جانب دراسة الطب وتعلم اللغة أيضا، كنت أؤمن أنني قادر على استكمال المسيرة وتحمل المصاعب، ففي النهاية سأحتفل بهدفي الذي طالما دعوت الله لتحقيقه"، يضيف: "اعترف بأن آلام الغربة كانت صعبة جدا، لكن بحمد الله وبرغم أنني الطالب المصري الوحيد بالجامعة، إلا أنني كنت برفقة زملاء عرب آخرين معظمهم من المملكة الأردنية الهاشمية، الذين طالما خففوا عني أعباء الغربة وساعدوني كثيرا لتجاوز عقباتها".
"حاولنا معاً التأقلم على طبيعة الحياة وندرة الطعام الحلال في المدينة، التي ندرس بها، وحتى المتوفر منه لا يزيد عدد الأصناف فيها عن خمسة أطباق، تكررت على مدار ست سنوات"، صعوبات كثيرة واجهها أبو رياش أثناء مسيرته التعليمية في الصين، يتابع: "لم تكن جامعتي أيضا من أوائل الجامعات بالصين، ولكني كنت أؤمن أن النجاح يعتمد رئيسيا على الإنسان نفسه، وليس على المكان الذي يتواجد فيه، كنت أيقن مدى كبر الهدف الذي أريد تحقيقه لكي أرضي شيئا من شغفي بالعلوم الطبية، لكي أكون عند حسن ظن والداي بي، واشكرهم ولو قليلا عما قدموه دائما لي من تشجيع معنوي ومادي".
وعن تعامل الصينيين مع ابن النيل، يقول: "فرح الصينيون عندما أجبتهم أنني مصري، وتحدثوا كثيرا عن انبهارهم بالحضارة المصرية وجمال الأهرامات، ما بعث طاقة كبيرة بداخلي، جددت بداخلي الأمل والإصرار"، بذلك حاول أبو رياش أن يعكس صورة جميلة للصينيين عن الطلاب المصريين.
مسيرة علمية طويلة خاضها أبو رياش، كللت بالنجاح، إذ حقق عددا من الإنجازات كان أبرزها حصوله على لقب أفضل طالب أجنبي بجامعته مرتين خلال 3 سنوات، وشارك في مسابقة أفضل طالب أجنبي في الصين، وألقى فيها محاضرة قصيرة عن أحد أنواع العمليات الجراحية في القلب، وحصل على منحة الحكومة الصينية للطلاب الأجانب المتفوقين لعام 2017م، كما اخُتير لحضور عدة مؤتمرات دولية ومحلية على مستوى الصين في مجال المخ والأعصاب، للتعرف على أحدث ما توصلوا إليه في هذا التخصص الدقيق.
"الطبيب الناجح يجب أن يرتكز على قاعدتين أساسيتين، هما العلم النظري والإكلينيكي، بجانب البحث العلمي والتدريس" روشتة النجاح بالنسبة لـ"ابن أرض الفيروز"، يقول: "أردت أن انتهز الفرصة ودرست أساسيات البحث العلمي، وشاركت في ثلاثة أبحاث علمية، اثنين في مجال المخ والأعصاب، وآخر في مجال مرض الضغط الدموي، وهو أحد الأبحاث القومية في الصين، وفي المجال الإكلينيكي شاركت كمساعد جراح أول أو ثاني في أكثر من 200 عملية جراحية في تخصصات متعدده كجراحة المخ والأعصاب، الجراحة العامة، جراحة العظام، جراحة الكبد والبنكرياس".
"ألقيت كلمة التخرج باللغة الصينية أمام أكثر من ألف خريج صيني وأجنبي، ممثلا عن كافة خريجي البكالوريوس من جامعتي لهذا العام، بعدما اخترت لإلقاءها نيابة عن جميع الطلاب الأجانب، خريجي هذا العام من جميع التخصصات".
يستشهد أبو رياش بمقولة عالم الكيمياء الراحل أحمد زويل: "إن النجاح ليس كالمطر الذي يتساقط بالتساوي على رؤوس الناس، النجاح يأتي لأصحاب العقول المستنيرة، النجاح حليف المتفائلون الساعون نحن هدفهم بالقراءة والجهد والعمل"، ويؤكد أنه كان موفقا في مسيرته التعليمية هناك، لكنه كان ذلك بسبب جده واجتهاده الدراسي.
وبعد انتهاء فترة الدراسة قرر أبو رياش العودة للوطن من أجل استمكمال مسيرته العلمية، "حان وقت العودة لبلدي، لاستكمال إجراءات معادلة البكالريوس ثم التكليف، ثم دراسة التخصص والماجستير والدكتوراة، لأكون طبيبا ناجحا وأقدم الرعاية الصحية التي يستحقها أهلي في ربوع مصر كافة".
ويقدم الطبيب العشريني نصيحة لأبناء سيناء: "كُلي ثقة أنكم تستطيعون تحقيق ما حققت بل وأكثر إذا استغليتم ذكائكم الفطري وعبقريتكم المتوارثة، لكن علينا أن نتفق أن السبيل للتفوق هو أن نحدد أهدافنا، ونبتعد عن العشوائية في الحياة، استغل نعمة الوقت، كن إيجابيا ومتفائلا وواثقا أن الله لن يضيع عملك ومجهودك، لا يأس مع الحياة، ولا طعم للحياة بلا هدف، والهدف بلا عمل واجتهاد سيصبح حلما صعب المنال".
وتمنى ابن "أرض الفيروز"، أن ترعى الدولة المتفوقين في كافة المجالات، وهم كُثر، عبر توفير وسائل دعم مباشرة لهم تصلهم مباشرة، خاصة أن "الدولة تسير في الاتجاه العلمي الصحيح، وبعدت عن أخطاء الماضي".
بالبلدي | BeLBaLaDy
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" الوطن "
0 تعليق