belbalady رأي.. عبدالخالق عبدالله يكتب: موقف الإمارات من النزاع العسكري في السودان

cnnarabic 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هذا المقال بقلم د. عبدالخالق عبدالله، أكاديمي وأستاذ العلوم السياسية من الإمارات، والآراء الواردة أدناه، تعبر عن رأي الكاتب، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

رغم النزاع العسكري المستمر في السودان منذ أكثر من سنتين، فإن الإمارات حافظت على كونها أكبر شريك تجاري للسودان، بإجمالي واردات بلغ 791 مليون دولار، أي ما يمثل 58% من مجمل صادرات السودان عام 2024، وذلك وفق بيانات البنك المركزي السوداني. كما حافظت الإمارات على مكانتها كثاني أكبر دولة في العالم – بعد الولايات المتحدة الأمريكية – في تقديم المساعدات الإنسانية والاغاثية للسودان، بقيمة 750 مليون دولار منذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023.

ورغم جهودها الدبلوماسية المكثفة كعضو في الرباعية الخاصة بالأزمة السودانية – التي تضم أيضاً الولايات المتحدة ومصر والسعودية – التي تسعى لوقف الحرب، لم تتوقف الاتهامات والادعاءات الموجهة للإمارات بأنها تدعم قوات الدعم السريع بالمال والسلاح، وهي اتهامات نفتها الإمارات مراراً وتكراراً وفي كل محفل دولي، بما في ذلك أمام محكمة العدل الدولية التي أغلقت ملف هذه الاتهامات بل وقررت شطبها كلياً ونهائياً من جدول أعمالها في جلستها بتاريخ 6 مارس 2025.

قد يهمك أيضاً

وبعد ذلك أظهرت الإمارات قدراً كبيراً من الشجاعة الدبلوماسية عندما أقرت بأنها ارتكبت خطأ في السودان، حين لم تكن حازمة بما يكفي في رفض الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية عام 2021. وقد جاء هذا الاعتراف الصريح والعلني والمفاجأ، على لسان الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، خلال حوار المنامة، حيث قال حرفياً: "إن عدم التصدي لانقلاب عام 2021 كان خطأ فادحاً ارتكبه المجتمع الدولي، ومهّد الطريق أمام ما آلت إليه الأوضاع الإنسانية المروّعة لاحقاً من حرب أهلية في السودان".

لقد أكدت الإمارات على لسان أكثر من مسؤول وفي أكثر من بيان رسمي، أنها تدعم الشعب السوداني وأنها لا تنحاز إلى أي طرف في النزاع العسكري، وبالتأكيد لا تدعم قوات الدعم السريع ولم ترسل لها سلاحاً أو مالاً منذ اندلاع النزاع العسكري. لكنها تعتقد أن الجيش السوداني هو من أشعل الحرب، التي تسببت في 150 ألف قتيل، وأجبرت 12 مليون سوداني على النزوح، فيما يواجه 20 مليون شخص المجاعة ويعيش تحت خط الفقر، إضافة إلى اتهام واشنطن للجيش السوداني بمنع إدخال 1000 طن من المساعدات الإغاثية المكدّسة على الحدود التشادية.

ورغم أن السؤال عن الطرف الذي أطلق الشرارة الأولى للحرب ما يزال محل شك وجدل، فإن الإمارات وبقية دول الرباعية تحمل الجيش السوداني مسؤولية استمرار الحرب ورفضه قبول مقترح الهدنة الإنسانية العاجلة. فهناك قناعة راسخة لدى قيادة الجيش في السودان أنه قادر على حسم الصراع عسكرياً حتى لو استمرت الحرب لسنوات. وهذا ما عبّر عنه قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، حين قال: "على جميع السودانيين المشاركة في المعركة… فلا لوقف الحرب ولا للسلام مع هؤلاء المجرمين… ولن تنتهي الحرب إلا بنهاية التمرد، والشرط الوحيد للتفاوض هو تجمعهم في مكان واحد واستسلامهم وتسليم سلاحهم بالكامل". من الواضح أن الجيش ماضٍ في الحرب بغضّ النظر عن الثمن الإنساني الباهظ.

قد يهمك أيضاً

ويتوافق موقف الإمارات مع موقف الاتحاد الإفريقي الذي بذل جهوداً دبلوماسية كبيرة للوساطة، لكنه واجه تعنتاً من الجيش السوداني، الذي رفض الجلوس مع قوات الدعم السريع لإنهاء النزاع. كما أن موقف الإمارات منسجم مع موقف الاتحاد الإفريقي الذي أعلن في بيانه بتاريخ 29 يوليو 2025 اعترافه بالحكومة المدنية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب السوداني. وهذا هو موقف الإمارات أيضاً، التي ترى أن الوقت حان لإنهاء حكم العسكر بشقّيه: الجيش وقوات الدعم السريع، إذ إن حكم العسكر عبر انقلاباته المتكررة التي بلغت 19 محاولة انقلاب منذ 1956، قاد السودان إلى مصير مظلم وحروب أهلية لم تتوقف، وانقسامه الى شمال وجنوب، وهو على وشك أن يقوده مجدداً إلى انقسام بين الشرق والغرب.

أما الاعتبار الأخير الذي يحدد موقف الإمارات من النزاع السوداني، فيتعلق بعودة قوى الفوضى والجماعات المتشددة إلى المشهد، وتحالفها مع قيادة الجيش السوداني، الذي وقع تحت تأثير ميليشيات وتيارات إسلامية متطرفة أصبحت تقاتل إلى جانبه بل ربما بالنيابة عنه.

فقد ذكر تقرير لوكالة رويترز بتاريخ 25 يوليو 2025 أن "الحركة الإسلامية – وهي فصيل سوداني مرتبط تنظيمياً وعقائدياً بجماعة الإخوان المسلمين – تدعم الجيش وتقوم بتعبئة مقاتلين لصالحه". كما ذكر تقرير حديث لـ “مركز صواب” أن النزاع العسكري فتح المجال أمام "شبكة إسلامية واسعة لإعادة التمركز داخل مؤسسات الدولة والجيش والمقاومة الشعبية التابعة له" وعلى وشك أن تحول السودان.

وقد لوحظ اعتماد الجيش خطاباً إسلامياً في حملات التجنيد، إضافة إلى اعتماده على مجموعات جهادية مثل: تنظيم البراء بن مالك، البنيان المرصوص، البرق الخاطف، أسود العرين، لواء النخبة، والعمل الخاص وغيرها من جماعات مرتبطة بالقاعدة وداعش، التي تسعى للوصول إلى السلطة وتحويل السودان إلى بؤرة لتصدير الإرهاب والفوضى إلى محيطه الجغرافي.

الإمارات لا تنحاز لأي طرف في النزاع السوداني لكنها تحمل الجيش السوداني مسؤولية استمرار الحرب. هذا الموقف الإماراتي متسق مع موقف الأمم المتحدة والدول الكبرى والاجماع العربي الذي يدعو لمحاربة الإرهاب بكل تجلياته. لكن بجانب هذا الدور الاستباقي لمحاربة الإرهاب أينما كان، لا يغيب عن بال الإمارات الدور الإغاثي الذي هو ركن أساسي من أركان سياستها الخارجية. لذلك أرسلت 12,710 أطنان من المساعدات الغذائية والطبية، وأنشأت مستشفيات ميدانية عالجت نحو 15 ألف مريض، إضافة إلى بناء ثلاث مدارس على الحدود السودانية–التشادية، وبنت مراكز إيواء في شرق السودان، فيما تجاوز اجمالي الدعم الإماراتي للسودان 4.2 مليار دولار خلال 2015-2025.

تواصل الإمارات دورها الدبلوماسي النشط كعضو رئيسي في الرباعية، وهي أهم منصة دولية معنية بالملف السوداني، للضغط على طرفي النزاع للعودة إلى المسار السياسي، دون أن تعير اهتماماً للاتهامات المسيسة بأنها تدعم طرفاً بعينه في نزاع عسكري لم يكن ليبدأ أصلاً لو تمّ التصدي مبكراً للانقلاب التاسع عشر في تاريخ السودان المعاصر.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" cnnarabic "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??