بالبلدي: عن جدوى الأحزاب السياسية في الانتخابات النيابية

masr360 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بعد أن تقبلت المجتمعات، الديمقراطية كنموذج سائد للحياة السياسية، فإنها كذلك حينما قبلت بأشكال التعدد السياسي، فقد ارتضت بنموذج الأحزاب السياسية، ليكون معبرا عن هذا التعدد، ومتقبلا لوجود هذه الأحزاب، نظاما معتبرا للتعبير عن الاختلاف في التوجهات السياسية، وتَعارُض الأفكار والآراء السياسية، حيث لا يمكن بحال من الأحوال، أن يدعي نموذج واحد، أو حزب واحد، أنه هو الأصح في كل الأمور والمسائل التي تخص جموع المواطنين. وبالتالي، فإن المجتمعات حينما قبلت بالنظام الانتخابي كنموذج لكيفية إدارة شؤون البلاد، فإنها قد أقرت بأن للأحزاب السياسية المؤيدة للحكومات أو المعارضة لها دور رئيسي في بنيان النظام الانتخابي، بل في بنيان النظام السياسي كله، ولا يمكن بحال من الأحوال حال قبولنا لوجود الأحزاب السياسية، أن يكون هناك نمط حزبي واحد هو الغالب، وإلا فإن ذلك يتعارض بشكل رئيس مع العلة الأساسية التي من أجلها تم وضع النظام الحزبي كله.

ذلك أن الأحزاب السياسية هي مجموعة منظمة من الأفراد، يمتلكون أهدافا وآراء سياسية متشابهة بشكل عام، ويهدفون إلى التأثير على السياسات العامة من خلال العمل على تحقيق الفوز لمرشحيهم بالمناصب التمثيلية، وتميل الأحزاب السياسية إلى التجذر بعمق واستمرارية في تركيبات اجتماعية محددة في مجتمع ما في الديمقراطية الراسخة والفاعلة. إذ يمكنهم الربط بين الحكومة وعناصر المجتمع المدني في مجتمع حر وعادل، وهم يشكلون عنصراً ضرورياً في أي نظام ديمقراطي حديث، كما أنها تعتبر جماعات منظمة، تعني أساسا بالعمل بالوسائل الديمقراطية للحصول على ثقة الناخبين بقصد المشاركة في مسئوليات الحكم لتحقيق برامجها التي تستهدف الإسهام في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وهي أهداف وغايات كبرى، تتعلق بصالح الوطن والمواطنين. وهذا جميعه، إنما يجب أن يصب في مصلحة المواطنين جميعهم، ومصلحة الوطن، بكل ما تحتويه الأحزاب من أنماط وأفكار متباينة أو مختلفة عن بعضها البعض.

ولا يمكن أن يكون وجود الأحزاب هو مجرد وجود شكلي، لا يعبر عن حقيقة الاختلاف بين الأفكار السياسية وبعضها البعض، وهو ما يعني، أن تكون هناك أحزاب مؤيدة للنظام الحاكم أو بالأحرى خرج منها النظام الحاكم، وأن تكون الأحزاب الأخرى مشاركة بنسب مختلفة ومتفاوتة في التمثيل في بنيان النظام السياسي كله، أما أن يحتوي المشهد العام على وجود نمطي لأشكال تحت مسميات أحزاب، ولكنها جميعها تصب في معين واحد، وتهدف إلى مجرد مساندة السلطة، دون أن تكون هناك أفكار متمايزة فيما بينها وبين الأحزاب الأخرى، أو أن يكون الشكل الحزبي هو فقط شكل من أشكال الاختلاف في الأسماء فقط، دون وجود اختلاف في النهج أو السياسات، فإن ذلك إنما يعبر عن حالة من الركود في حرية الحياة السياسية.

وإذا كانت المشاركة السياسية تتوزع في غالبية أشكال الحياة العامة، فإنها تتأثر بالبيئة الموجود فيها المشاركون، بما يعني، أن للأنظمة السياسية دورها البارز في السماح أو الحفاظ على ذلك الحق، ومدى توافره بشكل أو بآخر، وإن كان الغالب الأعم في النظم السياسية العالمية قد ارتضى بالنموذج الديمقراطي، فإن المشاركة السياسية والعامة هي مفرد رئيسي لتعزيز نسق الحكم الديمقراطي وسيادة القانون، وقد أفردت الدساتير العالمية النصوص الراسخة لتأكيد هذه المجموعة من الحقوق، كما كفلتها وأيدتها الاتفاقيات الحقوقية الدولية والإقليمية، وقد خصصت الأمم المتحدة برنامجاً رئيسياً ضمن برامجها للديمقراطية والمشاركة السياسية.

وإذ أن الأحزاب السياسية تمثل التيارات الفكرية والسياسية الموجودة في المجتمع، والتي تتنافس على فرض برامجها من خلال إقناع الناخبين الذين يمثلون فئات عريضة من الشعب، فهي تقوم بوظيفة “ترشيد الاختلاف بين التيارات الفكرية والسياسية داخل المجتمع”، لأن التنافس الانتخابي هو المحدد الوحيد لفرض البرنامج الانتخابي، وليس الصراع والتناحر، فلا يمكن تصور دولة ديمقراطية من غير أحزاب وتنافس انتخابي، وتداول سلمى للسلطة، وأضحت الأحزاب السياسية تقوم بدور أساسي في بلورة المفهوم الحديث للمشاركة السياسية الذي يربط ممارسة السلطة بالإرادة الشعبية.

لكن ما يحدث في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة، لا يتفق بشيء مع كل ما سبق، ولا يمثل نمطاً ديمقراطياً، أو اعتبار لتمثيل الأحزاب السياسية بشكل حقيقي، ودور فاعل في الحياة السياسية المصرية، كما أنه يعبر عن حالة من الجمود الحركي في النظام السياسي، والذي يعتمد فقط على وجود النظام الحزبي كنمط تعبيري شكلي عن وجود نظام سياسي متعدد في البنية السياسية المصرية كلها، ذلك لكون الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية المصرية، حيث تسيطر على مجريات الحركة السياسية، وعلى مجريات الانتخابات البرلمانية القائمة حاليا ثلاثة أحزاب، جميعها محسوب على النظام الحاكم، وهي أحزاب مستقبل وطن، وحماة وطن، وحزب الجبهة الوطنية.

إذ أنه، حتى وإن تم غض النظر عن مسألة القائمة الوطنية الموحدة، والتي استحوذت على نصف مقاعد مجلس النواب من قبل أي انتخابات، وهو الأمر الذي يصم المعنى الحقيقي للانتخابات، إلا أنه بالنظر إلى كيفية تمثيل هذه الأحزاب الثلاثة في تلك القائمة، تجد أنه قد استحوذت على غالبية المقاعد النيابية، وتركت النذر اليسير لتمثيل بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة، وإن كانت هذه المعارضة مهمشة بشكل كبير في الحياة السياسية المصرية. حتى إذا ما تطرقنا إلى النصف الآخر من المقاعد النيابية التي تدور حولها الانتخابات، وهي المقاعد الفردية، بحسب أن النظام الانتخابي المصري حاليا يقوم على نظام القائمة المغلقة بالاشتراك مع النظام الفردي، فإنك تجد أن غالبية المرشحين ينتمون فعليا إلى هذه الأحزاب الثلاثة، وبعيدا عن الأقوال التي قيلت حول وجود أموال مدفوعة لضمان الكرسي البرلماني، وهو أمر قد قاله العديد من السياسيين، إلا أنه وبعيدا عن ذلك، فإن الغلبة ستكون لتلك الاحزاب الثلاثة، سواء في القائمة أو في النظام الفردي، وهو ما يضمن تملك الحكومة لغالبية مقاعد مجلس النواب، وبالتالي، فإن الرقابة المفترضة من قبل مجلس النواب، وهي أهم السلطات المخولة لمجلس النواب، بالإضافة إلى سلطة التشريع، تكون محل شك حقيقي، إذ كيف يقبل العقل، أن تنتقد الحكومة ذاتها من خلال ممثليها في مجلس النواب، وهذا الأمر ما يضعف المعنى أو يقتل معنى الديمقراطية الحقيقية، والتي لا يتبقى منها سوى الاسم فقط، دون أي تعبير عن أي مضمون حقيقي أو تفعيل لأي حراك سياسي، فإلى أين يذهب النظام المصري بهذه الوضعية التي تجعلنا في حالة من الركود الفعلي لأي معنى تشاركي بما تعنيه كلمة المشاركة في الحياة السياسية. 

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" masr360 "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??