بالبلدي: «نيوم» يوتوبيا السعودية.. الحلم يصطدم بالواقع

masr360 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بعد إنفاق ما لا يقل عن 50 مليار دولار، على مشروع نيوم بالسعودية، تظهر العقبات واحدة تلو الأخرى في طريق مشروع، تم تصميمه ليصبح شبيهًا بأفلام الفانتازيا والخيال العلمي، عقارات زجاجية شاهقة الارتفاع معلقة في شكل خط مرسوم، بارتفاعات عالية تتجاوز الـ 500 متر، كواجهة حضارية لـ” عصر المملكة في اقتصاد ما بعد النفط”.

يتضمن مشروع نيوم أربعة مكونات رئيسية، أولها مشروع ذا لاين (وهو المرحلة الأولى والأهم لنيوم)، والمدينة الرأسية الذكية؛ أوكساجون، والمركز الصناعي واللوجستي؛ تروجينا، الوجهة السياحية الجبلية، وأخيرا سندالة، الجزيرة الفاخرة التي بدأت باستقبال الزوار جزئياً في أواخر عام 2024.

بحسب السلطات السعودية، فإن العمل في مشاريع نيوم تحول خلال العام الحالي، من مرحلة التصورات المفاهيمية إلى تنفيذ مشاريع واقعية في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والخدمات اللوجستية، إلى جانب توسّع جديد في قطاعات البحث والتطوير الحيوي.

هذا العام 2025، وقعت نيوم شراكة مع البرنامج الوطني لتنمية التقنية لدعم تطوير بيئة الشركات الناشئة في مجالات التقنيات العميقة، مثل البلوكشين والتطبيقات اللامركزية، واتفاقاً مع شركة DataVolt لتطوير أول منشأة ذكاء اصطناعي صديقة للبيئة بانبعاثات صفرية في منطقة أوكساجون الصناعية، بقيمة تقديرية، بلغت 5 مليارات دولار.

في يونيو من نفس هذا العام أيضا أعلنت نيوم عن وصول أول رافعات آلية إلى ميناء نيوم، الذي يُتوقع افتتاح مرحلته الأولى عام 2026، مستهدفة أن يصبح مركزاً لوجستياً، يربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وفي أكتوبر 2025، أعلنت نيوم توقيع مذكرة تفاهم مع شركة WuXi الصينية، لتعزيز قطاع التكنولوجيا الحيوية في المملكة عبر إنشاء مرافق بحث وتصنيع دوائي.

تحركات بطيئة في مشروع ضخم

الأعمال الإنشائية في مشروع المرسي المخفي
الأعمال الإنشائية في مشروع المرسي المخفي

لكن رغم الدعاية الإعلانية والتوسع في توقيع الشراكات، لا تزال بعض التقارير الدولية تتساءل عن الجدول الزمني للمراحل التنفيذية، خاصةً في ظل ارتفاع التكلفة وتحديات التمويل العالمي.

مشروع “المرسى الخفي” كان محور مشروع “ذا لاين”، حيث تعبر أكبر سفن الرحلات البحرية في العالم عبر بوابة شاهقة الارتفاع لها قبة، تظلل ميناء عميق المياه منحوت من الصحراء، معلق فيها مبنى من الزجاج بارتفاع 30 طابقًا.

تحت المرسى، تم التخطيط لبناء محطة قطار فائق السرعة، وفوق القبة ملعب كرة قدم، يتسع لـ45 ألف متفرج، على ارتفاع 350 مترًا فوق مستوى سطح البحر، من المفترض أن يكون جاهزا لاستضافة كأس العالم 2034. ينيس هيكي، كبير مسئولي التطوير في “ذا لاين”، قال أمام جمهور بدافوس السويسرية في وقت سابق، إن ذلك الملعب مختلف عن أي شيء رأوه من قبل، لكن رد الجمهور كان التساؤل: هل يمكنك بناؤه؟

بحسب “فاينانشيال تايمز”، فإن فريق هيكي كان غير متأكد من الإجابة، وبينما كان المهندسون المعماريون يعملون على المخططات، بدأت فكرة “ملعب القوس” تبدو غير قابلة للتصديق.

قبل فترة، حذر طارق القدومي، المدير التنفيذي لمشروع “ذا لاين”، قائلا إن فلسفة المشروع هي الحفاظ على الطبيعة، وسهولة العيش، والتقدم التكنولوجي، وفيما يتعلق بسهولة العيش، سيُنشئ هذا التطوير ثلاثي الأبعاد بيئات مُصغّرة، تُتيح سهولة الوصول وحياة حضرية مريحة دون الحاجة إلى شبكات سيارات مُتشعّبة.

لكن القدومي لا ينكر صعوبة التصميم بتعليق مبنى من 30 طابقًا رأسًا على عقب من جسر على ارتفاع مئات الأمتار في الهواء. فالأرض تدور، والأبراج الشاهقة تتأرجح، والقوس المعمارية ستبدأ التحرك كالبندول، ثم تزداد سرعتها، وقد تنهار وتصطدم بالمرسى أسفلها.

في مايو 2025، تم تعيين رئيس تنفيذي جديد لنيوم، مع تأكيد مجلس الإدارة على مواصلة التوجهات الاستراتيجية السابقة القائمة على الكفاءة والاستدامة المالية، ويُنظر إلى هذا التغيير كجزء من إعادة ضبط إدارية، تستهدف تحسين التنسيق بين القطاعات المختلفة داخل المشروع، ، لكنه لا يخلو من دلالات حول رغبة حكومية في تسريع وتيرة التنفيذ.

اصطدم الحلم بالواقع

مشروع نيوم
مشروع نيوم

كانت روح نيوم- المشروع الضخم الذي يقع في قلبه “ذا لاين”- التي تتحدى الجاذبية، هي واجهة المشروع الذي يريد تعريف الحياة الجديدة للسعودية، بواجهة زجاجية بارتفاع 500 متر، على مسافة 170 كيلومترًا عبر الرمال، ومُصممة لإيواء 9 ملايين شخص.

عندما بدأ البناء قبل ثلاث سنوات، كان من المفترض أن يكون “ذا لاين” رمزًا لحياة حضرية، بدون شوارع أو سيارات تقليدية، تعمل بالطاقة المتجددة، وتمتد دون انقطاع من خليج العقبة إلى جبال الحجاز، لكن مع تقدم التصاميم، اصطدم الحلم بالواقع، بدأ مهندسو مشروع “ذا لاين” يتساءلون، عما إذا كان من الممكن بناء الهيكل، كما هو مُتصوَّر، وتضخمت التكاليف، وتأخرت الجداول الزمنية، ولم تتحقق الاستثمارات الأجنبية التي كانت الرياض تعتمد عليها.

تباطأت أعمال البناء في جميع أنحاء نيوم، حيث يُعد منتجع التزلج الصحراوي “تروينا”، وهو المكان المُخطط له لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029، أحد المواقع القليلة التي لا تزال تتقدم بوتيرة سريعة.

اقترح بعض المستشارين تحديد الارتفاع بـ100 متر؛ للحفاظ على المنظر وتخفيض التكاليف، لكن المملكة طلبت أن يكون ارتفاعه 500 متر، وعرضه 200 متر، وكان ذلك كله بيد من يحكم، وليس من يبني.

تقليص كبير لعدد السكان

البيانات الرسمية توضح أن عام 2025 مثّل نقطة تحول عملية في المشروع، مع بدء تطبيق مشروعات حقيقية قابلة للقياس اقتصادياً، ما يشير إلى أن “نيوم” بدأت تتحول من مرحلة الطموح إلى الاختبار الواقعي ضمن مسار التحول الاقتصادي للمملكة.

وفقًا للخطط، كان من المقرر أن تكون المدينة جاهزة بحلول عام 2030 بعدد سكان يزيد عن 1.5 مليون نسمة، وسيرتفع هذا العدد مع مرور السنين إلى 9 ملايين نسمة، لكن بلومبرج ترى أن الموعد النهائي والافتراضات غير واقعية.

وفقًا لصحفيين أمريكيين، تقلص العدد المتوقع لساكني المدينة في الخطط الحالية إلى 300 ألف نسمة بحلول عام 2030، من 1.5 مليون مستهدفة في الخطط الأولى.

ستخضع المدينة نفسها، التي كان من المفترض أن يبلغ طولها 170 كيلو مترًا، لتخفيض أكبر، ويُقال الآن، إن طول المدينة سيقل عن 2.5 كيلو متر بحلول عام 2030. وهذا لا يمثل سوى جزء بسيط من إجمالي الاستثمار.

بحسب وثائق اطلعت عليها بلومبرج، فإن المقاولين الأوائل في المشروع يسحبون عمالهم من موقع البناء، ووفقًا للخبراء، لا تكمن المشكلة في تعقيد المشروع فحسب، بل في الوضع المالي أيضًا، الذي تأثر بسوق النفط.

مشروع متعجل بإنفاق كبير

في العام الحالي، يدور سعر برميل النفط حول ٦٠ دولارًا، ولم يتجاوز سعره خانة العشرات منذ ثلاث سنوات (لم يسجل مستوى الـ١٠٠ دولار) ، وهي مشكلة كبيرة يواجهها المشروع المكلف.

يأتي هذا بعد سنوات من النمو السريع ومليارات الاستثمارات التي وُجّهت إلى “مشاريع عملاقة”، مثل مشروع “ذا لاين” الذي تقلص حجمه إلى بضعة أميال فقط، مع ثبات سعر النفط.

يقول نحو 20 من العاملين في “نيوم” ، لـ”فاينانشيال تايمز”، إن جزءًا كبيرًا من مشروع “ذا لاين” قد لا يزال قابلاً للبناء من الناحية الفنية، إلا أنهم غير مقتنعين، بأن أي شخص مستعد لدفع ثمنه.

في منتدى استثماري، عُقد في الرياض قبل أسابيع، قال أحد المسئولين: “أنفقنا أكثر من اللازم.. لقد اندفعنا بسرعة 160 كيلو مترًا في الساعة. نعاني من عجز في الميزانية. علينا إعادة ترتيب أولوياتنا”.

السعوديون يرون الآن، أن مشروع “ذا لاين” مُبالغ فيه، فتكلفته تريليوني دولار، مما يُنذر بفشل مدينة المستقبل التي تمتد على مسافة 160 كيلو مترًا.

يقول مسئولون سعوديون في الكواليس، إنهم تسرعوا في وضع خطط “ذا لاين”، لكن لا أحد يجرؤ على البوح بذلك علنا. يبقى في الأخير التذكير أن اليوتوبيا كما هو معروف، مصطلح للدلالة على أي تصور يضاد الواقع ويصطدم معه، ويبدو أن هذا ما يحدث مع “نيوم”. إذ تكشف مجمل السطور السابقة المسيرة العثرة والمتعثرة لمشروع نيوم السعودي، فلم يكن التوفيق إجمالا يوما على طريق خطواته بل العقبات والتحديات ظلت تطارده وتتعقب سبيله، وذلك كمحصلة طبيعية للإغراق والاستغراق في أوهام العظمة وادعاء قدرات لا يسعفها الواقع والعلم.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" masr360 "

أخبار ذات صلة

0 تعليق

محطة التقنية مصر التقنية دليل بالبلدي اضف موقعك
  • adblock تم الكشف عن مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا في تمويل موقعنا، فالمرجو تعطيل مانع الإعلانات وساعدنا في تقديم محتوى حصري لك. شكرًا لك على الدعم ??