بالبلدي | BELBALADY

: هل يهدد تراجع مبادرة "صنع في الهند" سلاسل الإمداد العالمية؟

هذا التحول لا يقتصر تأثيره على الشركات الهندية وحدها، بل يثير تساؤلات أوسع حول موثوقية سلاسل الإمداد العالمية التي بدأت تعتمد بشكل متزايد على الهند كبديل استراتيجي لمراكز التصنيع التقليدية.

فهل يُهدد تراجع "صنع في الهند" للإلكترونيات استقرار سلاسل الإمداد العالمية بالفعل؟ وهل يمكن لهذا التحول في مصنعٍ كان يُتوقع له أن ينافس عمالقة الصناعة، أن يُعيد تشكيل خارطة التصنيع العالمي بأسرها؟

بعد فترة من المكاسب الاستثنائية التي تجاوزت 100 بالمئة في السنوات الأخيرة، تواجه شركات تصنيع الإلكترونيات الهندية، التي تنتج كل شيء من هواتف "سامسونغ إلكترونيكس" إلى وحدات تكييف الهواء، تراجعاً حاداً يزعزع ثقة المستثمرين.

فقد انخفضت أسهم شركتي ديكسون تكنولوجيز إنديا المحدودة وكاينز تكنولوجي إنديا المحدودة بأكثر من 15 بالمئة هذا العام، مُسجلةً أداءً أقل من أداء السوق ككل، مما يمثل نقطة تحول في مسار قطاع راهنت عليه الهند لتصبح قوة تصنيعية عالمية منافسة للصين، بحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

عوامل تضغط على القطاع

التقرير عزا هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها تقلص هوامش الربح وتباطؤ النمو، ما يدفع بعض المستثمرين للتساؤل عما إذا كان الطلب في السوق يواكب التدفق الكبير للاستثمارات في هذا القطاع.

وتضاف إلى ذلك عوامل أخرى مثل التقييمات المرتفعة للأسهم، وزيادة المنافسة، والقلق المتزايد بشأن انتهاء صلاحية برامج التحفيز الحكومية.

وقال فيكاس بيرشاد، مدير صندوق في M&G Investments، بأن "هناك نمواً كبيراً في الإيرادات متاحاً للشركات الرائدة في هذا المجال، ولكن عندما نأخذ في الاعتبار التقييمات المرتفعة وسيناريوهات الهوامش المعقولة في توقعات النمو، نعتقد أنه يمكن نشر رأس المال بشكل أكثر فعالية في أماكن أخرى".

ولفت التقرير إلى أن تراجع ثقة المستثمرين لم يكن مفاجئاً تماماً، إذ بدأت شركات وول ستريت الكبرى تُبدي علامات أقل تفاؤلاً.

فقد أشار محللو جيفريز مؤخراً إلى أن المخاطرة مقابل العائد لسهم ديكسون يبدو مبالغاً فيه، بينما قامت مورغان ستانلي بتخفيض تصنيف السهم إلى "بيع".

وتشير بيانات "بلومبرغ" إلى أن نسبة توصيات البيع إلى إجمالي التوصيات لسهم كاينز وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ إدراجه في عام 2022.

ويعود جزء كبير من هذا التحول في المزاج إلى اقتراب انتهاء صلاحية الخطة الحكومية للحوافز المرتبطة بالإنتاج  (PLI)، والتي رغم صمت الحكومة حول تمديدها، تشير تقارير إعلامية محلية إلى احتمال السماح بانتهاء صلاحيتها بسبب النتائج التي لم تكن على مستوى التوقعات.

وتوقع التقرير أن تتأثر شركات كبرى مثل ديكسون بشكل مباشر عند انتهاء صلاحية الحوافز المخصصة لمصنعي الهواتف المحمولة في السنة المالية التي تنتهي في مارس 2026.

هذا الوضع يطرح تحدياً كبيرا أمام طموحات الهند التصنيعية، ويدفع إلى التساؤل عن مدى قدرتها على الحفاظ على جاذبيتها الاستثمارية في ظل هذه الظروف المتغيرة، وهو ما قد يكون له تداعيات تتجاوز حدودها لتؤثر على التوازنات في سلاسل الإمداد والتصنيع العالمية.

الهند تظل مرشحة لتكون المصنع الرئيسي لقطاع الإلكترونيات

في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن صناعة الإلكترونيات تحظى باهتمام عالمي كبير، لا سيما مع سعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجذب الاستثمارات في هذا القطاع.

وأوضح أن تراجع الصناعات الإلكترونية في الهند قد يؤثر على سلاسل الإمداد العالمية، وقد يمتد هذا التأثير إلى عمليات التشغيل والتحديث، وصولاً إلى إعادة تقييم شاملة لوضع القطاع بحلول بداية عام 2026.

وعزا ذلك إلى المحفزات التي تطلقها الهند حالياً أو تلك التي تدرسها للمستقبل، وذلك في سياق المنافسة العالمية الشديدة، وخاصة مع جهود الولايات المتحدة للحد من نفوذ الصين التصنيعي.

وأشار الدكتور بدرة إلى أن الهند تظل مرشحة لتكون السوق الأساسي أو المصنع الرئيسي لقطاع الإلكترونيات عالمياً، خاصة في التجارة الدولية وتزويد المستثمرين ضمن سلاسل الإمداد.

كما نوه إلى أن التغيرات الحادة في أسعار الأسهم، التي شهدها القطاع مؤخراً، تحمل في طياتها قيماً من المضاربة التي تزيد من تضخم الأرقام.

وأعرب عن تفاؤله بإمكانية زيادة ثقة المستثمرين في الصناعة الهندية مستقبلاً، مؤكداً أن استراتيجية الهند قد تتغير قريباً لتدعم المزيد من الصناعة العالمية.

واختتم الخبير الاقتصادي الدكتور بدرة حديثه بتوقعه أن يشهد القطاع تقييماً شاملاً وتغييراً دائماً في مواقع الإنتاج، مشدداً على أن توطين الصناعة والقاعدة التصنيعية في الهند يمكن أن يظلا الركيزة الأساسية في توجيه التصنيع العالمي، خاصة مع تدفق استثمارات جديدة خلال الفترة القادمة.

تحديات هيكلية وفرص مستقبلية لـ "صنع في الهند"

من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي إلى أن قطاع التصنيع الهندي، على الرغم من نموه الكبير، يواجه "العديد من العقبات التي تعيق ترسيخ حضوره في السوق العالمية".

وأوضح أن مبادرات حكومية مثل السياسة الوطنية للتصنيع وبرنامج "صنع في الهند" ساهمت في تعزيز أداء القطاع بهدف زيادة حصته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 25 بالمئة في عام 2025.

ومع ذلك، أكد الدكتور الشناوي أن "انخفاض الإنتاجية، وجمود سوق العمل، وعدم كفاية البنية التحتية، لا تزال من أبرز العراقيل التي تحول دون قدرة هذا القطاع على المنافسة عالمياً.

 في هذا الصدد، بيّن أن الهند تواجه تحديات جسيمة في إدخال إصلاحات رئيسية في السياسة المالية وقوانين العمل واللوائح المتعلقة بالاستثمار الأجنبي، والتي تُعد جميعها "ضرورية لجذب عمالقة التصنيع الدوليين وتشجيع الابتكار وجهود البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا المتقدمة".

كما لفت إلى أن الهند لا تزال بحاجة إلى "تبني تقنيات أفضل والاستثمار في البنية التحتية، وحل قضايا جودة العمالة وتكوين المهارات"، مُشدداً على أن هذه الخطوات "جوهرية لتعزيز الإنتاجية وتمكين قطاع التصنيع من المساهمة بشكل كبير في النمو الاقتصادي للدولة والقدرة التنافسية على المستوى العالمي.

وحذر الدكتور الشناوي من أن "تهديد التعريفات الجمركية المتبادلة في مرحلة حرجة يمر بها قطاع التصنيع في الهند"، خاصة مع سعي البلاد لترسيخ مكانتها كمركز تصنيع عالمي. وأكد أن التطبيق المحتمل لتعريفات جمركية من قبل الولايات المتحدة سيشكل "تحديات كبيرة للقطاعات الموجهة نحو التصدير في الهند، وخاصة قطاع الإلكترونيات".

 وبين الشناوي أن تراجع قطاع الإلكترونيات في الهند يُبرز تحديات حرجة، خاصة مع اقتراب انتهاء الحوافز الحكومية.

ولفت إلى أن "الاعتماد الكبير على الواردات في المكونات الأساسية، مثل لوحات الدوائر المطبوعة والشاشات، يُعرّض سلسلة الإمداد لثغرات محتملة"، مما يؤثر على التكاليف والقدرة التنافسية.

وشدد على أن "قطاع التصنيع في الهند، بالمقارنة العالمية، لا يزال متأخراً كثيراً عن منافسيه، حيث لا يمثل سوى 1.8 بالمئة من الناتج الصناعي العالمي"، مما يشير إلى "محدودية التكامل في سلاسل القيمة العالمية".

وفي ختام حديثه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور الشناوي أن العوامل العالمية تدفع الشركات لتنويع سلاسل الإمداد نحو الهند، مثل ارتفاع الرسوم الجمركية والتوترات الجيوسياسية، مما يجعل الهند مرشحة لتشكيل "بديلاً رئيسياً لتعزيز المرونة وتقليل المخاطر".

ورغم التحديات التي تواجهها سلاسل الإمداد في الهند، أعرب عن تفاؤله بمستقبلها، لافتاً إلى أن "الاستثمارات الاستراتيجية في البحث والتطوير، إلى جانب سياسات التجارة العالمية القوية، ستساهم في تعزيز قطاع التصنيع الهندي ليظل قادراً على المنافسة على المدى الطويل في ظل النظام الاقتصادي العالمي سريع التغير"، وهو ما قد يؤثر على خارطة التصنيع العالمية.

belbalady

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" سكاي عربية "

أخبار متعلقة :