بالبلدي | BELBALADY

: بوتين يتحدى وبريكس تتحرك.. هل بدأ كسر الهيمنة الأميركية؟

وفيما يحاول العالم استيعاب الزلازل الجيوسياسية المتلاحقة، أطلقت قمة البريكس في ريو دي جانيرو رسائل حادة تتجاوز الاقتصاد إلى رسم ملامح نظام عالمي جديد، تتقدمه روسيا بكلمات فلاديمير بوتين الحاسمة، وتدعمه دول ناشئة ترفض الخضوع لإجراءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحمائية والرسوم الجمركية التي تهدد التجارة الدولية.

فهل بدأ فعلاً عصر التعددية القطبية؟ وهل تملك البريكس ما يكفي لكسر الهيمنة الأميركية، أم أن التناقضات الداخلية والمظلة العسكرية الأميركية لا تزال تفوق الطموحات الصاعدة؟.

رسائل بوتين: "العولمة الليبرالية عفا عليها الزمن"

خلال كلمته عبر الفيديو في افتتاح قمة بريكس الـ17، وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتقادات لاذعة للنظام العالمي الراهن، مشيرًا إلى أن نموذج العولمة الليبرالية أصبح من الماضي.

وطرح بوتين رؤية استراتيجية للتحوّل نحو استخدام العملات الوطنية بين دول المجموعة، في خطوة مباشرة تهدف إلى تقويض سطوة الدولار الأميركي.

حديث بوتين لم يأتِ بمعزل عن التطورات الدولية الأخيرة، بل جاء كامتداد لخط سياسي واقتصادي يسعى إلى فكّ ارتباط موسكو والجنوب العالمي بالاقتصاد الغربي، وتحديدا بالنظام المالي الذي تقوده الولايات المتحدة.

البريكس تدين ترامب وتتحرك لمواجهة هيمنة الدولار

البيان المشترك الذي صدر في اليوم الأول للقمة حمل نبرة غير معتادة في لغته، إذ أدان بشكل صريح الضربات العسكرية على إيران، ودعا إلى وقف إطلاق نار غير مشروط في قطاع غزة، لكنه أيضًا خص دونالد ترامب وسياساته الجمركية برسالة مباشرة، معربًا عن "قلق بالغ" من الرسوم الأحادية وتأثيرها على النظام التجاري العالمي.

بالتوازي، دعا البيان إلى تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء، والتركيز على أولويات التنمية المستدامة، في محاولة لخلق بيئة اقتصادية قادرة على منافسة تكتلات غربية تقليدية مثل مجموعة السبع.

توسيع البريكس.. انضمام إندونيسيا ورسائل رمزية

لم تكتف قمة البريكس بالبيانات، بل حملت مؤشرات توسعية واضحة. فقد تم الإعلان عن انضمام إندونيسيا رسميًا إلى التكتل، في خطوة اعتُبرت استراتيجية بالنظر إلى موقعها الجغرافي.

كما شاركت 10 دول كشركاء، منها الأوروغواي وكوبا، ما يعزز طموحات البريكس للتحول إلى "نادي الجنوب العالمي" الطامح إلى الاستقلال الاقتصادي والسياسي عن الغرب.

ووفقًا لموفد سكاي نيوز عربية، سلطان البادي، حضر القمة ممثلون عن 9 منظمات دولية، في مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ما يعكس زخمًا دبلوماسيًا كبيرًا للقمة.

البريكس تواجه معضلات داخلية.. ولا بديل عن القوة الأميركية حتى الآن

في تحليله لمخرجات القمة، اعتبر الدكتور حسان القبي، أستاذ الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، خلال حديثه إلى برنامج التاسعة على سكاي نيوز عربية أن البريكس ورغم زخمها السياسي والاقتصادي، لا تزال تفتقر إلى التحول إلى تحالف حقيقي يمكنه موازنة الهيمنة الأميركية.

ويشير القبي إلى أن البريكس تواجه عدة تحديات داخلية، أبرزها التناقضات الجيوسياسية بين أعضائها (الصين والهند، مصر وإثيوبيا). هذه التناقضات، برأيه، تمنع التكتل من التطور إلى قوة عسكرية أو أمنية متماسكة على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو).

كما شدد القبي على أن الولايات المتحدة تظل صاحبة اليد العليا عالميًا بفضل تفوقها العسكري، قائلًا: "القوة العسكرية الأميركية لا تضاهيها أي قوة أخرى. حين قررت واشنطن إنهاء الحرب، الجميع التزم، حتى إيران وإسرائيل".

ترامب والسياسة التجارية.. العصا الغليظة

يرى القبي أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كانت إيذانا بتصعيد الحمائية الأميركية، مشيرًا إلى أن الرئيس الجمهوري يستخدم الرسوم الجمركية كسلاح سياسي واقتصادي "لتأديب" الدول الخارجة عن الطوع الأميركي.

وفي هذا السياق، اعتبر القبي أن تراجع الدولار مؤخراً ليس نتيجة ضعف، بل "تعويم مدروس" من ترامب لتعزيز تنافسية الصادرات الأميركية، وهو ما أسهم في ارتفاع نسق التجارة الخارجية للولايات المتحدة رغم انتقادات الداخل والخارج.

البريكس في ميزان الأرقام.. هل تتجاوز مجموعة السبع؟

من زاوية الأرقام، تُظهر مؤشرات التجارة والناتج المحلي الإجمالي أن البريكس تقترب من تجاوز مجموعة السبع.

ويشير القبي إلى أن البريكس، التي تضم أكثر من 40% من سكان العالم، تمتلك قوة ديمغرافية واقتصادية ضخمة، وخاصة مع وجود دول تمتلك الثروات الطاقية مثل روسيا وإيران، ودول تُعد أكبر المستوردين للطاقة مثل الصين والهند. "هذا التفاعل بين المنتجين والمستهلكين للطاقة ضمن التكتل يمثل نقطة قوة استراتيجية"، يقول القبي.

التحدي الأكبر.. غياب البُعد العسكري الموحد

رغم هذه المكاسب الاقتصادية، تبقى نقطة الضعف الجوهرية في عدم تحول البريكس إلى تحالف ذي بعد عسكري. فالدول الأعضاء متباعدة في تحالفاتها الأمنية: الهند تميل نحو واشنطن، بينما إيران وروسيا في مواجهة مباشرة معها، ومصر تحتفظ بعلاقات أمنية وثيقة مع الغرب. بل إن الضربات الأميركية الأخيرة على مواقع إيرانية لم تلقَ ردودًا صلبة من موسكو أو بكين، وهو ما فسره القبي بوجود فجوة بين التصريحات السياسية والتصرفات العملية داخل المجموعة.

هل خذلت البريكس طموحات "نظام عالمي جديد"؟

في ختام مداخلته، اعترف القبي بأنه كان من بين المتحمسين لفكرة انبثاق نظام عالمي جديد منذ بداية الحرب في أوكرانيا عام 2022، لكن الأحداث أثبتت أن الهيمنة الأميركية لا تزال متجذرة. "نعم، ما زال النظام العالمي الجديد بعيدًا، والسيطرة الأميركية ستتواصل لعقود"، يؤكد القبي.

ويضيف أن فشل روسيا في حسم الحرب الأوكرانية، وتردد الصين في اتخاذ مواقف أكثر حدة ضد الولايات المتحدة، وتراجع الدعم الإيراني في اللحظات الحاسمة، كلها مؤشرات على أن موازين القوة لم تتغير بالقدر الكافي لإحداث انقلاب في النظام العالمي.

بريكس تصعد.. ولكن

تبدو قمة البريكس في ريو دي جانيرو كحلقة جديدة في مسار طويل نحو تعددية قطبية، تسعى دول الجنوب العالمي لصياغته على أنقاض النظام الليبرالي الأميركي. لكن هذا المسار لا يخلو من العثرات، وأبرزها غياب الرؤية الموحدة والبعد الأمني الذي يحسم معارك النفوذ في السياسة العالمية.

الاقتصاد وحده لا يكفي. فالقرارات الجريئة تحتاج لغطاء أمني وسياسي موحد، وهو ما تفتقر إليه البريكس في الوقت الراهن. وفيما يبقى الدولار مهيمناً، والطائرات الأميركية تحلّق في سماء الردع، لا تزال واشنطن تمسك بخيوط اللعبة الدولية، وإن بدأ خصومها بالتنظيم.

والسؤال اليوم ليس إن كانت بريكس قادرة على التحدي، بل: هل تملك ما يكفي للصمود والاستمرارية في وجه قوة تعرف كيف تنتصر؟.

belbalady

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" سكاي عربية "

أخبار متعلقة :