كتب
شيماء سليم
يومٌ ما عاشت مصر ساعات وأيامًا وأسابيع وشهورًا لا تُنسَى.. واجهت مصر عدوها الذى عاش فى خيرها؛ لكنَّ انتماءه لم يكن إليها، وليس هذا فقط بل أراد طمس هويتها، وتحويلها لبلد آخر لا يشبهها ويفرض على أهلها نظامًا جديدًا.. لكنه لم يكن يعرف أن هذا الشعب لا يخضع للإرهاب ولا يقبل التشويه.. ليلة ما اتخذ شاب مصرى من الشارع مسرحًا ليعلن عن غضبه ويعبر عن صرخته بطريقته الخاصة.. اختار موسيقى هى الحياة بعينها، ففرد ذراعيه وحرك ساقيه وأخذ جسده يدور فى الهواء الطلق.. متحديًا وممتلئًا بالإصرار.. هذا أنا وذاك فنى وهذه هويتى وبلادى.. راقص الباليه الأول وأول من رفض إلإساءة لفنه وواجه من أهان هذا الفن وثار على كبيرهم الصامت.. «هانى حسن» أو «زوربا المصرى،» راقص الباليه الذى كان من أبطال عرض الصمود والرفض والذى قال كلمة حق فى وجه حاكم جائر وجماعته الإرهابية.. «أحلى حاجة حصلت».. هكذا بدأ حديثه وهو يتذكر أيام 30 يونيو 2013.. ويحكى «هاني»..
الحكاية بدأت عندما كنا نعمل بشكل عادى فى الأوبرا، وبعد فترة وجدنا نائبًا سلفيًا اسمه «جمال حامد» فى إحدى جلسات مجلس الشعب التى كانت تناقش ميزانية الأوبرا يتهمنا كراقصى باليه بالفجور والفحشاء وارتداء ملابس عارية، ولماذا يوجد فى مصر باليه من الأساس؟.. من هنا بدأ جرس الإنذار عن كيف يفكر هؤلاء فى الفن.. وبدأت تنتشر الأقاويل بأنهم أى «جماعة الإخوان الإرهابية» يريدون أن يأخذوا مبنى دار الأوبرا ليكون مقرًا لهم بدلا من مقر المقطم، على اعتبار أن مبنى الأوبرا مصمم على الطراز الإسلامى هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قتل أكبر مكان يمثل الفن فى مصر.. طبعا استشعرنا الخطر..
الرد على الإخوان
ويروى هانى حسن، أنه قام بالرد سريعًا باعتباره راقص الباليه الأول فى مصر، أجريت مداخلات فى مختلف الوسائل الإعلامية وإعلام الأوبرا ساعدني.. حيث شعرت بمسئولية أن هناك مواجهة وشعرت أن «د. عبدالمنعم كامل» رحمه الله لم يكن ليصمت فى هذا الموقف فتولد لدىَّ إحساس أكبر بالمسئولية.. لكن الحديث فى الإعلام لم يكن كافيا، فاجتمعنا – كفناني الأوبرا - المايسترو «ناير ناجي»، المايسترو «هشام جبر» وعازف البيانو «محمد صالح» لنفكر كيف سنواجه ما يحدث، أولا فيما يتعلق بفرقة باليه القاهرة التى بدأت تأتى إليها توجيهات برفض عروض معينة منها عرض (سبارتاكوس) بسبب شكل ملابسه التى من وجهة نظرهم عارية ثم تصاعد الأمر بإقالة رئيس الأوبرا حينها «د. إيناس عبدالدايم».. قررنا البدء بوقفة احتجاجية بداخل داخل الأوبرا وكنا وقتها نستعد لعرض (أوبرا عايدة) وقبل بداية العرض حيث خرجنا للمسرح وقرأنا بياننا الاحتجاجى للجمهور ونحن نستئذن ألا نقدم العرض.. وكان رد فعل الجمهور رائعا بداخل المسرح وبعد خروجه من المسرح رفض أن يسترد ثمن التذاكر.. وبعد أن بدأنا تنفيذ وقفتنا الاحتجاجية بدأ الفنانون ينضمون إلى اعتصامنا.. وجاءت فرق من السويس وبورسعيد.. وبدأ الاعتصام يكبر عندما قررنا نقل الاعتصام لوزارة الثقافة.. وجاءت فكرة إحضار عربة صغيرة مدعمة بسماعات وبدأنا نغنى ونقيم عروضًا.
زوربا المصرى
طلبوا منى أن أفعل شيئًا، فقررت رقص (زوربا)، رقصت وحدى فى البداية ثم انضم إلىَّ مجموعة من زملائي.. (زوربا) موسيقاها تصاعدية وتتحدث عن الحرية واختلاف الثقافات وحب الحياة والفن.. كنت واثقًا أنها الأنسب والأجدر بالتقديم فى تلك اللحظة التى فعلت بها أخطر شيء على أى راقص، وهو الرقص على الأسفلت وهذا خطر وتضحية بمستقبلى.. فكان يمكن أن أتعرض لإصابة لكن كان بداخلى غضب، أريد أن أعلنه، وكلمة يجب أن أصرخ بها وكان ذلك نابعًا من إيمانى برسالتي.. رقصت لكى أسأل الشعب المصرى ما رأيك فيما تراه؟
فما كان من الواقفين فى حينها إلا أن انضموا وشاركونى الرقص.. وبعد 30 يونيو كان أول عرض نقدمه فى الأوبرا هو (زوربا) وتم تكريمى بتمثال من البرونز لدفاعى عن فنى وعن دار الأوبرا والهوية المصرية.. تمثال اسمه «زوربا المصرى» وتم إهداء التمثال لى بعد العرض وقد أهديت التمثال لزملائى من الفنانين الذين كانوا فى الاعتصام لأنهم كانوا المحرك الأساسي.. التمثال فى شكله خاص بـ«هاني» لكنه فى مضمونه لكل الفنانين.. لذا طلبت أن يوجد التمثال فى دار الأوبرا وليس فى بيتى فقررت «د. ايناس عبدالدايم» أن يكون فى متحف دار الأوبرا المصرية، لأنه رمز لدفاع الفنانين عن مصر وفنها.. وكان شرفًا أنه التمثال الوحيد الذى لا يزال صاحبه على قيد الحياة.
هجمات الإخوان الإرهابية
تعرضت لمضايقات من ناحية الجماعة الإرهابية حدثت هجمات من «بلطجية» لمحاولة فض الاعتصام وأذكر أن فرق الفنون الشعبية التى كان معها عصى يستخدمونها فى عروضهم التى نقيمها فى الشارع دافعوا عنا بتلك العصي.. بعد ذلك تحول شارع شجرة الدر حيث مقر وزارة الثقافة إلى كرنفال من العروض الفنية، السيارات كانت تقف وتأتى لمشاهدتنا، سكان العمارات كانوا يلقون علينا شوكولاتة، رغم أن وجودنا ممكن يكون مزعجًا بالنسبة لهم لكنهم مؤمنون بالموقف، نفس الإيمان الذى كان لدينا بهدفنا لحماية الفن والثقافة المصرية.. ولاحقا أنشأ مهندسو الديكور مسرحًا وأطلقنا عليه اسم «الفن حياة» وبدأنا نقدم فقرات وورشًا للرسم وباليه وحفلات موسيقى شرقية وغربية.. بدأت أعدادنا تتزايد.. من ناحية أخرى جاءنى خطابا تهديد وضعا تحت عتبة باب بيتي.. تهديد بـ«قطع رجلي» وهذا جعلنى أنقل إقامة زوجتى وأبنائى لمنزل والدتى وألا أعود لبيتى إلا بعد انتهاء الثورة.. نعم التهديد أشعرنى بالخوف لكن كنت دخلت المعركة ويجب أن أستمر.. وكانت الثقة تزداد فى موقفنا ضد هؤلاء الإرهابيين يوما بعد يوم.. لكن ماذا كان يمكن أن يحدث لي؟ لا أعرف.. وفى نفس الوقت كنا نشعر بأن هناك من يحمينا فمصر لا تضحى بأبنائها ولن تضعهم فى خط النار.. لقد كان هدفنا فى البداية «إقالة وزير الثقافة» ثم أصبح الهدف إقالة «الرئيس الإخواني» وأذكر أنه فى يوم 29 يونيو نشرت جريدة الجرس اللبنانية مقالًا بعنوان «فى 30 يونيو هانى حسن سيرقص فى قصر القبة».. وفى 30 يونيو تحركنا لميدان التحرير وعدنا للأوبرا، فكان الحرص الأكبر أن نكون فى الأوبرا.. الموقف كان صعبًا لكننا كنا واثقين.. قلقون لكن واثقون.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" روز اليوسف "
أخبار متعلقة :