هنا فى «بيت مال المصريين»، ثروات لا وريث لها، وأموال تُجمع لتنفق فى أعمال الخير، وحكايات لا تنتهى عن مشاهير توفوا وتركوا خلفهم أموالاً ضخمة.. هنا إدارة كبرى، تعد الأبرز والأهم بين إدارات بنك «ناصر الاجتماعى»، معروفة باسم «التركات الشاغرة»، ومسئولة عن إدارة ثروات طائلة لآلاف المواطنين. الدكتور شريف فاروق، الرئيس التنفيذى لبنك ناصر، قدر -فى تصريح سابق له- هذه الأموال بما يزيد على 3 مليارات جنيه، آلت جميعها إلى الدولة بحكم القانون، ويديرها البنك ممثلاً للدولة، لتظل «التركات الشاغرة» هى الممول الرئيسى لإدارة «التكافل»، التى تدعم الفقراء بتقديم قروض ميسرة أو بتمويل مشاريع إنتاجية، أو بصرف معاشات للأيتام وأصحاب الأمراض المزمنة والسيدات المعيلات. «الوطن» تستعرض خريطة العمل داخل الإدارة، التى تتم وفق نصوص قانونية واضحة، وتكشف أغرب قصص عن الثروات، التى جمعها متخصصو البنك، وأبرز ما يواجههم من معوقات، أثناء عملهم.

إدارة "التركات الشاغرة" تستحوذ على "ممتلكات الأغنياء" وتنفقها على الفقراء

لافتتان كبيرتان مدون عليهما المستندات المطلوبة للإفراج عن العقارات والمنقولات ورفع التحفظ، تعلوهما أخرى تحمل اسم «إدارة التركات الشاغرة ببنك ناصر»، تلك الإدارة الأهم من بين مثيلاتها داخل البنك التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، بتعبير قديم كانت تسمى «بيت مال المسلمين»، وتضم بداخلها جميع الثروات من غير وارث أو التركات الشاغرة بموجب القانون، وهو ما أوضحه علاء كيوان، مدير عام الإدارة، كاشفاً عن أغرب قصص التركات، التى جمعتها الإدارة، وأبرز النقاط التى تصبح معها الثروات ملكاً للدولة.

وأوضح «كيوان» دور الإدارة باعتبارها الجهة المنفذة لأحكام القانون رقم 71 لسنة 62، بشأن «التركات الشاغرة»، المخلَّفة عن المتوفين من غير وارث ظاهر، سواء كان المتوفى مصرياً أو أجنبياً، طالما وجدت عناصر تركته داخل جمهورية مصر العربية، وهو القانون الذى خضع لتعديل واحد برقم 31 لسنة 71، ليكون إشهار تلك العقارات المخلَّفة عن دون وريث دون رسم، أى إن الشهر العقارى ينبغى أن يشهرها دون أى مبالغ مالية، باستثناء إدارة المساحة التى تحصل من الإدارة على رسوم مالية لاستخراج الأوراق اللازمة لذلك.

ويُلزم القانون المسئولين بالإدارة بتحرير محاضر حصر وتقييم للتركات الشاغرة فى وقتها، وفقاً لـ«كيوان»، الذى كشف عن وجود تركات خاضعة للإدارة منذ عشرات السنوات، وتم تقدير قيمتها وقتها طبقاً للقانون، لكن قيمتها الحالية اختلفت كثيراً، ما يستوجب إعادة حصرها، فى حال اعتزام بيعها والإعلان عنها فى الصحف وفقاً للقانون فى المزاد العلنى.

"كيوان": نخدم 2 مليون مستفيد بقروض تصل إلى 3.5 مليون جنيه.. والمرأة المعيلة والأيتام وأصحاب الأمراض المزمنة والمستشفيات والمعاهد الطبية الأبرز

ويقول مدير الإدارة: «خيط ضعيف يجذبنا لتلك التركات، وغالباً ما يكون بلاغاً تليفونياً أو مخاطبات رسمية، ففى البداية يأتينا بلاغ عن أن هناك تركة شاغرة، ممكن عن طريق قسم الشرطة والنيابة العامة، المصحات والملاجئ، التى وجد فيها صاحب المال، وقد اختصم كجهة فى دعاوى بشأن هذا المال فنعلم أن هناك تركة شاغرة، ومن الممكن أن مالكى العقارات يبلغونا، أو عن طريق برقية أو تليفون أو أى جهة يمكنها أن تخطرنا بأى شكل عن هذه التركات».

بعد تلقيها البلاغ تبدأ الإدارة فى إجراءات خاصة للتأكد من صحة هذا البلاغ، ثم التحقق من التركة نفسها من كونها بلا وريث، وفحص عناصرها، سواء كانت منقولاً أو عقاراً، فلكل منهما طريقة خاصة فى التعامل، وفقاً لما أكده «كيوان»، موضحاً: «بالنسبة للشقق التى بها منقولات، نتحفظ من الخارج، دون الدخول، نقوم بوضع الشمع الأحمر الخاص بالقطاع، ونرسل لقسم الشرطة المختص للتحرى عن وجود ورثة للمتوفى من عدمه، وننتظر لحين ورود نتيجة التحريات الخاصة، بعدها تشكل لجنة وفقاً للقانون وتدخل العقار وتقوم بحصر وجرد وتقييم للمنقولات الموجودة بالعين، اللجنة تتشكل من عضو قانونى وعضو مالى وفرد أمن وأحد ضباط الشرطة ويتم حصر دقيق جداً لكل محتويات الشقة، سواء أموال أو مشغولات ذهبية أو سيارات أو غيرها».

"تشابه الأسماء" و"محترفو صنع عقود البيع" أبرز المعوقات وأغرب الحالات: شحاذ ترك ثروته فى "علب صفيح"

فيما تقوم اللجنة بتفقيط المبالغ النقدية ووضعها فى حساب خاص بالتركة سواء مدين أو دائن، وتسليم المشغولات الذهبية لمصلحة الدمغة والموازين المنوط بها قانوناً بيع المعادن الثمينة داخل الجمهورية، من أجل بيعها ووضعها فى الحساب الخاص بالتركة، على حد قول «كيوان»: «كذلك العقارات التى يتم إيقاف التعامل معها وتحرير استمارة جديدة خاصة بالإدارة من قبَل الشهر العقارى، وفى حالة ظهور ورثة يجب تقديم ما يثبت أحقيته ليتم فك القرار وعودتها إليه، ويلزم القانون الإدارة بسرعة التخلص من التركات ولكن فى حالة العقارات يتم الإعلان عنها فى مزاد علنى وإذا لم تأت بقيمتها المقدرة فإنه يتم الاحتفاظ بها دون بيعها لحين الحصول على قيمتها الحقيقية». وأكد أن دور الإدارة اجتماعى فى الأساس فكل الموارد التى تؤول إلى الإدارة تذهب إلى البنك باعتباره المورد الأساسى والرئيسى للصرف على كافة القروض الاجتماعية والعمل التكافلى.

وأضاف أنه من أكثر الظروف الاستثنائية التى تواجهنا هى تشابه الأسماء ونستعين وقتها بالرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة، باعتبارنا جهة حكومية، ونعتمد على المستندات الأصلية مثل شهادات الميلاد والقيد العائلى، وهو ما يجعل الإدارة تدخل فى صراعات قضائية بعضها يكون مع محترفى اصطناع عقود الشراء من المتوفى حال حياته «يعنى اصطناع عقود بتاريخ سابق على وفاة مورث البنك أو المتوفى من غير وارث ويختصم البنك لصدور الحكم، و90% من القضايا يتم تحويلها لمصلحة التزوير والتزييف حتى يتم البت فيما إذا كان التوقيع صحيحاً من عدمه وأغلب الحالات تفيد بأن التوقيع ليس توقيعه».

بعض التركات تؤول للدولة بعد صراعات قضائية كان من بينها على حد قوله تركة «البارون إمبان»، وهو مليونير بلجيكى، وتم كسب الدعاوى الخاصة بها بمجهودات البنك والجهات القضائية والرقابية التى ساهمت فى الحصول على تركته وتم تصفيتها لصالح الإدارة.

وعن أغرب الحالات التى آلت تركتها للدولة يحكى «كيوان»: «جالنا بلاغ من صاحب عقار عن وفاة مواطن مستأجر يدعى الشرباصى، وكان يقال إنه شحات، نزلت اللجنة وشفنا شقته عبارة عن كراكيب مخلفات وعلب صفيح ونفاجأ إن العلب الصفيح مليانة فلوس عملات مصرية ومعدنية، خدت اللجنة حوالى 9 إلى عشر ساعات نعد الفلوس، كان مبلغ كبير قارب على المليون جنيه فى شقة حقيرة تعف النفس أن تدخلها، ولهذا أدعو الجميع أن يتصدقوا فى الأماكن الصحيحة، ولا يعطوا أموالهم للشحاتين».

ليست كل التركات التى تؤول للدولة تكون بغير وارث، فهناك موانع للإرث معروفة أبرزها بحسب القانون اختلاف الديانة بين المتوفى وبين أبنائه أو زوجته، وفى حالة لو قتل الوريث مورثه هنا يمنع القاتل من حقه فى الميراث.

تذهب أموال إدارة التركات الشاغرة، التى قدرت بما يزيد على 3 مليارات جنيه، بحسب تصريحات سابقة للدكتور شريف فاروق، الرئيس التنفيذى لبنك ناصر، إلى إدارة التكافل لمساعدة المحتاجين سواء فى شكل قروض قدرت قيمتها بنحو 3.6 مليون جنيه خلال العام الماضى، أو منح بما يحقق الرعاية الاجتماعية لمحدودى الدخل، فقام البنك بصرف مبلغ 800 مليون جنيه لعدد 1.8 مليون مستفيد خلال العام المالى 2017-2018، موزعة ما بين الإعانات والمساعدات والقروض الحسنة ومشروعات تمليك وسائل الإنتاج والزكاة، حيث يقوم البنك بصرف الإعانات والمساعدات للفئات المستحقة طبقاً للمستندات المقدمة واستمارة البحث العلمى، على حد قول «كيوان».

وأضاف: «تهدف المساعدات إلى رفع المعاناة عن الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل، والتى يعجز دخلها عن مجابهة الظروف المعيشية الصعبة، مثل المرأة المعيلة والأيتام وأصحاب الأمراض المزمنة، والمساهمة فى إجراء العمليات الجراحية الكبرى ودعم المستشفيات والمعاهد الطبية بالأجهزة والتجهيزات الطبية لخدمة المرضى بالمجان، وتقديم مساعدات نقدية وعينية فى حالات الكوارث والنكبات».

من جانبه، قال وليد عبدالمقصود، المحامى بالنقض ورئيس مبادرة «نعم لإنقاذ الأسرة المصرية»، إنه ينقضى كل حق يتعلق بالتركة ولو كان سببه الميراث بمضى 15 عاماً، تبدأ من تاريخ النشر المنصوص عليه فى المادة الرابعة من هذا القانون، والتى تلزم إدارة «التركات الشاغرة» بالإعلان عنها فى الجريدة الرسمية، ما لم يتخلل هذه المدة سبب من أسباب وقف التقادم مثل السفر خارج مصر، أو فقدان الأهلية خلال تلك الفترة أو الحبس.

وتابع: «إذا كان التصرف قد تم فى أصول التركة كلها أو بعضها قبل أن يتقرر حق ذوى الشأن فيها، ينتقل حقهم فى هذه الأصول إلى صافى ثمنها، وعلى كل من يثبت له حق فى هذه التركة أن يؤدى كافة المصروفات والضرائب والرسوم المنصوص عليها فى هذا القانون بنسبة النصيب الذى آل إليه»، موضحاً أنه فى حالة ظهور وريث شرعى يقوم بعمل إعلان وراثة ثم يرفع دعوى استرداد تركة.

ويضيف: «للأسف الشديد إجراءات التقاضى طويلة فى مصر نظراً لظروف عدة، خصوصاً فى القضاء المدنى، ويمكن تقليص هذه المدة بأن يكون فى الدعوى شق مستعجل، كما يمكن المطالبة بريع التركة عن كل المدة السابقة، والتى كان بنك ناصر يدير فيها التركة».